”النسور“ (2015-2016) .. أَنسر أنت؟ أم أرنب؟!

محمد ياسر عفيفى يكتب:

”النسور“.. درست هذا النص منذ ما يقارب عِقد من الزمن في المرحلة الثانوية العامة، بل وجاء في الإمتحان النهائي، ونجحت في مادة اللغة العربية بمعدّل 91.8% بفضل الله.. ولم يستقر في نفسي فهم لهذا النص كما استقر الآن!

لقد قرأت يوماً:
”ستكونُ جاحداً لفضل مُعَّلمِكَ، إذا ظَللتَ تلميذاً طوال حياتِك.“
يا أساتذتي، جزاكم الله عنّا خيراً.. ورَحِمَ الله كل من علّمني يوماً حرفاً (والذي لن أكون له عَبداً، بل لله خالقي وخالقه).

يا أساتذتي، لم أجحد يوماً فضلكم، وأدعوا الله لكم دائماً.. وذكريات سنوات الدراسة محفورة في قلبي ووجداني وكم سعدت بصحبتكم وكم أحنّ وأشتاق لتلك السنوات.

يا أساتذتي، لقد تعلّم تلميذكم الدرس جيداً، وأرجوا أن تكونوا فخورين الآن بصنيعكم، ونِتاج تربيتكم..

يا أساتذتي، وقت تلقّي هذا الدرس في حضرة علمكم الوفير لعامين متتاليين، قررت من وقتها إلى يومنا هذا بأن أُحلّق مع النسور، ورصدت موقعي في أعالي الجبال، وأفلت نفسي من المدار الذي حاول المجتمع أن يُقيّدني فيه وأن يطمس هوّيتي، وبذلت من أجل ذلك الغالي والنفيس..

طلبت العلم “بالدمّ واللحم”.. واشتغلت بعملي الليالي الطوال، تهطل دموعي وقطرات عرقي على ما بين يديّ من كتب وأدوات قد مَنّ الله علىّ بها.
لم أُعِر الأرانب إنتباهي، ولم أراها يوماً “مثل اللآل”، فقد تعلمت منكم أن هذا التعبير كان سقطة من كاتب النص ولم يتقبّله النُّقاد؛ حيث أنه لا يناسب التشبيه أو المعنى المقصود.

مالي أراكم قد ركنتم إلى الأرانب؟! أحقاً تَرونهم “مثل اللآل”؟!!
يعزُّ عليّ قِصَر نظركم، وضعف همّتكم..

سلامٌ عليكم.. قد مرّت السنوات، ورأيتم النص يتحقق أمامكم عياناً بياناً.. وتعاقبت النصال خلف النصال..

الحمدلله الذي لم يجعلني يوماً أجحد فضلكم..

قرأت أيضاً بأنّه أحياناً من الممكن أن يتفوّق التلميذ على أُستاذه.. ولا أقول أنني قد تفوّقت عليكم، أستغفر الله! ولكنّي أستطيع أن أقول بأنني لهذا النص تحديداً قد فاق استيعابي الكثير منكم.

لا يهمني “خضر السهول”، ولا “العيون” التي تترصّد.
أرفع هامتي وأُحلّق، وأضع نُصب عَينيّ قوله تعالي:

{ وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولࣰا }
[سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ٣٧]

وأذكُر وَعد الله:

{ تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِینَ لَا یُرِیدُونَ عُلُوࣰّا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادࣰاۚ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ }
[سُورَةُ القَصَصِ: ٨٣]

وأحاول جاهداً ألّا أنشغل بوعود شياطين الإنس والجن بالفقر، أو بمصرعي؛ فإنني أؤمن بقول الله (وأسأل الله أن يُرَسّخ الإيمان في قلبي):

{ قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ }
[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ٥١]

خِتاماً، إن كنتم تحسبونهم “مثل اللآل”، فإنني لا أراهم الّا على حقيقتهم؛ أرانب! قابعين في إنتظار مصيرهم المُدَجج بالموت، يأكلون عُشبهم بالفرار إلى جحورهم، يرتجفون بالخوف بين الظلال.. وأُسدد نَظَري (الذي قد ضَعُفَ بمرور السنين) نحو النسور الطليقة في الأُفق، أتعقّب وَرْدَ الذُّرا.
وشتّان شتّان شتّان، بين الثرى والثُّرَيّا.

كُتِبَ بتاريخ: 4 أبريل 2025

حياة الطموح والسمو والكبرياء
حياة الخاملين المستسلمين
إصرار الطامحين ووعيهم
السعى لبلوغ الكمال
النسور

Share Now!


Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to Top